الجمهورية اللبنانية
آخر الأخبار
المديرية العامة للطيران المدني
اعادة اقلاع موقع المديرية

بحث حول استراتيجية الموارد البشرية

مغارة جعيتا

مع تنامي الادراك والوعي لأهمية العنصر البشري كمورد اساسي في تحقيق أهداف المنظمة او المؤسسة، تحوّلت "إدارة الافراد" (التي عُرفت سابقا بإدارة شؤون الموظفين) ذات المهام المحدودة بتعيين الموظفين ومسك سجلاتهم وصرف مستحقاتهم وتقديم بعض الخدمات الصحية والاجتماعية، الى "إدارة الموارد البشرية" التي تعني، بإختصار، الاستخدام الأمثل للعنصر البشري المتوفر والمُتوقَع، والتي تأخذ بالإعتبار أن كفاءة المنظمة ونجاحها في الوصول إلى تحقيق أهدافها يتوقف على مدى كفاءة وقدرات وخبرات هذا العنصر البشري وحماسه للعمل.

من هنا، يعتبر التخطيط والتنظيم والتوجيه والتوظيف والرقابة من ابرز ممارسات إدارة الموارد البشرية.

وبالتالي فإن انشطة ادارة الموارد البشرية تشتمل على تخطيط الموارد البشرية واستقطاب العاملين وتدريبهم وتطويرهم وتحفيزهم وتقييم أدائهم وتحسين بيئة عملهم، خصوصا وان مفهوم "إدارة الموارد البشرية" يقوم على التزاوج ما بين زيادة الفعالية التنظيمية وإشباع حاجات العاملين، ذلك أن كلاً من أهداف المنظمة وحاجات الأفراد تكملان بعضهما البعض، ولا تكون احداهما على حساب الاخرى.

ولكن السؤال الذي يُطرح هو: هل يمكن لأي إدارة ان تنظم وتخطط وتوجّه من دون اتباع استراتيجية واضحة؟ بالطبع لا.

وبالتالي، فالسؤال الاستطرادي هو:

هل استراتيجية إدارة الموارد البشرية هي استراتيجية جامدة ومعلّبة يمكن ان تطبق على اي مؤسسة او منظمة فتكون منفصلة عن استراتيجية المنظمة؟

ام ان استراتيجية إدارة الموارد البشرية هي جزء لا يتجزأ من استراتيجية المنظمة، وهي تتطور لتتزاوج وتلبي "الاستراتيجية الأم" أي استراتيجية المنظمة؟

وماذا لو تضاربت استراتيجية الادارة مع استراتيجية المنظمة؟

كل هذه التساؤلات وغيرها سنستعرض الإجابة عنها من خلال هذا البحث العلمي.

ماذا أولا في تعريف استراتيجية إدارة الموارد البشرية؟

تعريف استراتيجية إدارة الموارد البشرية:

هي خطة معاصرة طويلة المدى، تشتمل على ممارسات وسياسات وخطط في كيفية التعامل مع المورد البشري في العمل، وتتفق وتتكامل وتتناسق مع الاستراتيجية العامة للمنظمة، بهدف تحقيق رسالتها، وغايتها، وأهدافها، في ظل متغيرات البيئة الداخلية والخارجية التي تعمل من خلالها المنظمة.

ويمكن تعريف استراتيجية إدارة الموارد البشرية أيضاً بأنها: خطة طويلة الأجل، تتكون من مجموعة من النشاطات على هيئة برامج محددة البداية والنهاية، وسياسات تكوِّن وظائف ومهام إدارة الموارد البشرية داخل المنظمة. وتحتوي هذه الخطة على مجموعة من الإجراءات والقرارات المتعلقة بشؤون الموارد البشرية داخل المنظمة، والمستقبل الوظيفي لهذه الموارد البشرية. وتهدف إلى إيجاد قوة عمل حقيقية، مؤهلة تأهيلاً عالياً، وذات فعالية وقدرة على تحمل مسؤوليات وتبعات الأعمال داخل المنظمة، ومن ثم تكون قادرة على تحقيق متطلبات وطموحات الاستراتيجية العامة للمنظمة ككل

وقد أظهرت نتائج دراسة أجريت على عدد من الشركات اليابانية والأمريكية الناجحة لمعرفة سبب نجاحها وتميزها ما يلي:

أولا: لقد اهتمت هذه الشركات بوضع استراتيجية جيدة ومناسبة لمواردها البشرية وإدارتها، فالتحديث والتميز اللذان حققتهما كانا وراءه إدارة موارد بشرية ذات فاعلية، وقرارات توظيف تخدم استراتيجية هذه الشركات.

ثانيا: لقد وضعت هذه الشركات برامج استقطاب فعالة لجذب أفضل المهارات البشرية الموجودة في سوق العمل، ووفرت لها تعليما وتدريبا مستمرين، وحماية من مخاطر العمل. كذلك فإن تصميم الوظائف جاء بطريقة وفرت لشاغليها عنصر الإثارة والتحدي وتحمل المسؤولية، مما جعل هذه الشركات مكاناً محبباً للعمل بالنسبة للموارد البشرية.

ونتيجة لذلك، تمكنت هذه الشركات من رفع درجة الرضا والسعادة لدى الموارد البشرية، فانعكس الرضا بجودة أداء الموارد البشرية، وتوصلت الشركات إلى جودة عالية في منتجاتها وخدماتها، وأسعار مناسبة لمنتجاتها، مما حقق لدى زبائنها وعملائها الرضا والسعادة أيضا، وحقق لها حصة سوقية أكبر، فضلاً عن موقع تنافسي قوي بين المنافسين.

بناء على ما سبق، يمكن القول ان أي مؤسسة تسعى إلى التميز، عليها أن تتبنى إستراتيجية متميزة لإدارة الموارد البشرية.

الاستراتيجيات التفصيلية لإدارة الموارد البشرية:

يعتبر الدكتور غازي الحامد ان استراتيجية إدارة الموارد البشرية تعمل على تحقيق غاية المنظمة وأهدافها ورؤيتها، من خلال ترجمة الاستراتيجية العامة للمنظمة إلى استراتيجيات تفصيلية ومتخصصة في قضايا الموارد البشرية.

ويعدد امثلة على بعض الاستراتيجيات في مجال ادارة الموارد البشرية:.

• استراتيجية استقطاب وتكوين الموارد البشرية (هدفها استقطاب العناصر ذات الكفاءة والخبرة العالية بما يتلاءم مع تخطيط القوى العاملة وتقدير الاحتياجات منها).

• استراتيجية إدارة أداء الموارد البشرية (تهدف الى تسيير فعال للموارد البشرية داخل المنظمة).

• استراتيجية تدريب وتنمية الموارد البشرية (تهدف الى رفع كفاءة ومعارف ومهارات العاملين وتوجيه اتجاهاتهم نحو انشطة معينة).

• استراتيجية قياس وتقييم أداء الموارد البشرية (تهدف الى معرفة مدى توافق الاداء الفعلي مع الاداء المطلوب، من حيث الوقت والجودة والكمية والسرعة والتكلفة والاستمرارية).

• استراتيجية تعويض ومكافأة الموارد البشرية (وهي تعتمد على نظام الحوافز، سواء في الترقية او الاجور المغرية..).

ويقول د. الحامد بأن إستراتيجية إدارة الموارد البشرية هي عملية إبداعية عقلانية التحليل، وديناميكية متواصلة، تسعى إلى تحقيق رسالة المنظمة من خلال إدارة وتوجيه الموارد المتاحة بطريقة كفؤة وفعالة، ومن خلال القدرة على مواجهة تحديات بيئة الأعمال المتغيرة من تهديدات وفرص ومنافسة ومخاطر، بهدف تحقيق مستقبل أفضل انطلاقا من نقطة ارتكاز أساسية في الحاضر.

وفي دراسة أعدتها الاكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي، لفت الباحثون الى ان الاستراتيجيات التفصيلية لإدارة الموارد البشرية يجب ان تتضمن التالي:

1) الغاية التي تبتغي إدارة الموارد البشرية تحقيقها بالتعامل مع العنصر البشري.

2) الرؤية التي تحددها الادارة لما يجب ان تكون عليه ممارستها في مجال الموارد البشرية.

3) الاهداف الاستراتيجية في مجال تكوين وتشغيل وتنمية ورعاية الموارد البشرية.

4) السياسات التي تحتكم إليها إدارة الموارد في اتخاذ القرارات والمفاضلة بين البدائل لتحقيق أهداف الاستراتيجيا.

5) الخطط الاستراتيجية لتدبير الموارد وسد الفجوات للوصول بالأداء الى المستويات المحقِقة للأهداف والغايات.

6) معايير المتابعة والتقييم التي تعتمدها الادارة للتحقق من تنفيذ الاستراتيجية والوصول الى الانجازات.

العوامل المؤثرة عند صياغة استراتيجية إدارة الموارد البشرية:

يشير محمود حسين عيسى، الخبير في الشؤون المالية والادارية واستراتيجيات المؤسسات، بأن "استراتيجية إدارة الموارد البشرية تعمل على فهم البيئة الداخلية للمنظمة، ومتطلباتها ومتغيراتها الأساسية والمؤثرة، من حيث: رسالتها، وغاياتها، وأهدافها، وأساليبها الإدارية، وثقافتها التنظيمية، ومتطلبات العمل فيها وغيرها. فضلاً عن فهمها للبيئة الخارجية المحيطة بالمنظمة، والإحاطة بجميع متغيراتها، وقوانينها، واتجاهاتها المؤثرة أو التي قد تؤثر في أعمال المنظمة ونشاطاتها.

وهذا الفهم للبيئة الداخلية والخارجية للمنظمة، يُمكِّن إدارة الموارد البشرية من وضع استراتيجيتها بنجاح وبشكل يحتوي على مواءمة كبيرة بين ممارسات ونشاطات إدارة الموارد البشرية، والمتغيرات والتحديات التي تحتويها البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة".

ويربط عيسى بين استراتيجية الإدارة والاستراتيجية العامة وبين التخطيط الاستراتيجي فيقول: "إن التخطيط الاستراتيجي يعد همزة الوصل بين الاستراتيجية العامة للمنظمة واستراتيجية إدارة الموارد البشرية، فتعتمد إدارة الموارد البشرية على التخطيط الاستراتيجي في رسم سياسات وظائفها وأنشطتها الأخرى من استقطاب واختيار وتعيين، وتدريب وتنمية، وتعويضات، وسلامة وصحة مهنية وغيرها من الأنشطة والوظائف. كذلك، تعتمد إدارة الموارد البشرية على التخطيط الاستراتيجي في تحديد نطاق ممارسة ومزاولة كل نشاط من أنشطتها".

وبالإضافة الى دراسة البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة، فهناك من يضيف إليهما عوامل أخرى يجب دراستها عند صياغة استراتيجية إدارة الموارد البشرية، وهي قد تبدو بديهية بالنسبة الى ما سبق تقديمه من معلومات عن استراتيجية إدارة الموارد البشرية.

ومن هذه العوامل:

• تحديد توجهات المنظمة في مجال الموارد البشرية (الاستعانة بالموارد الداخلية ام الخارجية).

• تحديد أهداف المنظمة الخاصة بالمبيعات والربح والعائد من الاستثمار.

• تخطيط الموارد البشرية.

• دراسة السوق والمنافسة.

• دراسة عناصر القوة والضعف لدى المنظمة.

• استقراء التطورات المستقبلية.

عناصر البناء الاستراتيجي:

ان لاستراتيجية الادارة منهجية يتطلب تطبيقها وجود بناء استراتيجي متكامل يضم العديد من العناصر كالتالية:

1) آلية واضحة لتحديد الأهداف والنتائج المرغوبة ومتابعة تحقيقها وتعديلها وتطويرها في ضوء المتغيرات الداخلية الخارجية.

2) آلية مرنة لإعداد وتفعيل مجموعة السياسات التي ترشد وتوجه العمل في مختلف المجالات، وتوفر قواعد للاحتكام واتخاذ القرارات، وتضمن حالة من التناسق والتناغم بين متخذي القرارات في جميع قطاعات المنظمة.

3) إجراءات تنفيذية لتوجيه الأداء في مختلف العمليات، تتسم بالمرونة والفعالية، وتستهدف تحقيق النتائج.

4) أفراد يتم اختيارهم بعناية، يتمتعون بالصفات والقدرات المناسبة لأنواع العمل، وعلى استعداد لقبول التغيير، أي من أهم صفاتهم المرونة.

5) صلاحيات محددة جيداً، وموزعة بين الأفراد بما يتناسب ومسؤولياتهم مع وضوح معايير المحاسبة والمساءلة وتقييم الأداء والثواب والعقاب.

6) معايير واضحة لاتخاذ القرارات تتناسب مع أهميات المشاكل وتتطور مع تغير الأوضاع.

7) نظم لاستثمار وتنمية طاقات الموارد البشرية وتوجيه العلاقات الوظيفية تتناسب مع نوعية المورد البشري ومستواه الفكري ومدى الندرة فيه، كما تتوافق مع الظروف العامة الخارجية وتتسم بالمرونة.

8) نظم معلومات وقنوات للاتصال الفعال تحقق التواصل بين أجزاء المنظمة وفيما بينها وبين العالم الخارجي، وتحقق المعرفة الآنية لمجريات الأداء والظروف المحيطة.

9) تجهيزات ومعدات وموارد مادية تم اختيارها وتوظيفها بعناية لتحقيق أقصى عائد ممكن منها في ظل الظروف السائدة والمتوقعة.

10) هيكل تنظيمي يتميز بالبساطة والفعالية والتوافق مع مقتضى الحال في المنظمة، يوضح الادوار والمهام الاساسية ويرسم العلاقات التنظيمية في ضوء تدفق العمليات وتداخلاتها.

الابعاد الاستراتيجية:

ان ادارة الموارد البشرية تتطور وتتغير مع المتغيرات والتحولات التي يشهدها العالم ، من هنا فإن استراتيجية إدارة الموارد البشرية تقوم على دراسة مفاهيم عديدة ، وقد تناولها الدكتور أحمد كردي في الابعاد الاستراتيجية لإدارة الموارد البشرية.

ومن هذه المفاهيم:

1) العولمة: وما انتجته من تخطي حدود المكان وقيود الحركة والاتصال، مما ادى الى الحاجة الى الابتكار وتنمية منظومات جديدة تتوافق مع العولمة.

2) التحدي : والمقصود هو إدراك التحديات التي تهدد الاهداف المبتغاة.

3) الرؤية الشاملة : بحيث تتعدد الزوايا التي تنظر الادارة من خلالها الى البيئة المحيطة من اجل تكوين صورة شاملة في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والتنافسية ، بهدف وضع توجهات استراتيجية دقيقة وصحيحة.

4) دورة الحياة: التي تقوم على دراسة مراحل تطور المنظمة من الانطلاق الى النمو فالتطور او التدهور.

5) المحركات الاستراتيجية : وتتضمن الكلفة وسوق العرض والطلب، والمنافسة التي تدفع الى تبني برامج وخطط لتنمية الموارد البشرية والحفاظ عليها وعدم تسريبها الى المنافسين.

6) قرارات وتوجهات الدولة: بحيث يجب الالتزام بالقوانين والتشريعات والنظم القانونية وقرارات الدولة.

تطور استراتيجية إدارة الموارد البشرية كجزء من استراتيجية المنظمة:

بعد دراسة كل العوامل المؤثرة على صياغة استراتيجية إدارة الموارد البشرية والابعاد الاستراتيجية، وتحليل نتائج المسح البيئي الداخلي والخارجي للمنظمة التي تؤثر في عملية إعداد استراتيجية المنظمة، فإن إدارة الموارد البشرية تنكب على اعداد الاستراتيجية المتوافقة مع الاستراتيجية العامة للمنظمة.

وسنستعرض فيما يلي كيفية تطور استراتيجية إدارة الموارد البشرية كجزء من استراتيجية المنظمة، اي ان استراتيجية إدارة الموارد تتنوع لتلبي أهداف الاستراتيجية العامة:

• إذا كانت استراتيجية المنظمة استراتيجيةَ توسع: تقوم استراتيجية إدارة الموارد البشرية على أساس استقطاب أعداد كبيرة من الموارد البشرية لمواجهة أعباء ومتطلبات الحجم الكبير للعمل في المستقبل، ومن ثم تعمل على توسيع عملية الاختيار والتوظيف، وإعداد الكثير من برامج التعلم والتدريب والتنمية، وزيادة نشاط حماية العاملين من مخاطر العمل والمحافظة على سلامتهم، والقيام بإعداد وتصميم برامج للتعويضات والحوافز لترغيب العاملين في البقاء والاستمرار في المنظمة.

• إذا كانت استراتيجية المنظمة استراتيجيةَ اندماج مع منظمة أخرى: تقوم استراتيجية إدارة الموارد البشرية على أساس الاستغناء عن جزء من مواردها البشرية الحالية. ويقع على إدارة الموارد البشرية هنا مسؤولية تحديد العناصر التي سيتم الاستغناء عنها، وكيفية تعويضهم مالياً، وكيفية دمج الموارد البشرية في المنظمتين، وتحقيق التعاون الكامل والتوافق فيما بينها، وذلك لضمان سير العمل طبقاً للخطط الموضوعة، دون حدوث هزات مالية أو معنوية تؤثر تأثيراً مباشرا أو غير مباشر على المنظمة بعد الاندماج، وتحديد ماهية البرامج الثقافية والتعليمية والتدريبية والتنموية التي تتناسب مع الموارد البشرية بعد اندماجها.

• إذا كانت استراتيجية المنظمة استراتيجية تنوع المنتجات: تبني إدارة الموارد البشرية استراتيجيتها على أساس تخطيط حاجة المنظمة لموارد بشرية متنوعة، وهذا يتطلب منها القيام بإعداد وتصميم برامج استقطاب متنوعة، وبرامج اختيار وتوظيف وتعلم وتدريب وتنمية متنوعة، فضلا عن برامج متنوعة لحماية وسلامة العاملين من مخاطر ومن إصابات العمل.

• إذا كانت استراتيجية المنظمة استراتيجية استقرار: ستقوم إدارة الموارد البشرية بوضع استراتيجيتها على أساس استقطاب أعداد قليلة من الموارد البشرية الجديدة، والبقاء على برامج التعلم والتدريب والتنمية على حالها أو تحديثها قليلاً، وعدم التجديد في برامج حماية وسلامة العاملين. ولكن يجب على إدارة الموارد البشرية أن تحدّث وتزيد برامج التعويضات والحوافر المالية، بهدف تحفيز العاملين، ودفعهم إلى المحافظة على بقاء حالة الاستقرار التي تنتهجها المنظمة كاستراتيجية.

• إذا كانت استراتيجية المنظمة تحقيق التميز في الجودة: يتطلب من إدارة الموارد البشرية أن تسعى عند بناء استراتيجيتها الاستقطابية إلى استقطاب العمالة الماهرة والمميزة، وفي المقابل الاستغناء عن العمالة نصف الماهرة، بهدف تحقيق استراتيجية المنظمة التي تهدف إلى تميز منتجاتها وخدماتها. وتقوم استراتيجية إدارة الموارد البشرية فيما يخص التعلم والتدريب والتنمية على أحدث ما توصل إليه العلم، وأحدث البرامج التدريبية التي تساعد العمالة الحالية والجديدة على الوقوف دائماً على كل جديد يتعلق بمجال عملهم، وتمكينهم منه بهدف الوصول من خلالهم إلى منتج أو خدمة خاصة بالمنظمة ذات جودة عالية، وميزة نسبية، تمكنها من التفرد، والحفاظ على حصتها السوقية إن لم تتمكن من زيادتها، في ظل منافسة شديدة وقوية. فضلا عن قيام إدارة الموارد البشرية بإعداد وتصميم برامج خاصة بالتعويضات والحوافز المالية والعينية والمعنوية التي تحفز العاملين دوماً على الإنتاجية، والإبداع والابتكار، فيشعرون بالعائد المباشر وغير المباشر على جهدهم في المنظمة.

• إذا كانت استراتيجية المنظمة قيادة التكلفة: تسعى هذه الاستراتيجية إلى إنجاز أكبر قدر من المنتجات بأقل قدر من التكاليف، وذلك بهدف طرح المنتج بسعر تنافسي في السوق لا يمكن للمنظمات المنافسة أن تبيع به.

لذلك تبني إدارة الموارد البشرية استراتيجيتها على استقطاب الموارد البشرية ذات المهارات العالية والمتميزة، والقادرة على الإنتاجية بأعلى معدلات من الكفاءة وبأقل تكلفة ممكنة. وتعمل على المحافظة على هذه العمالة، فتقوم إدارة الموارد البشرية بتصميم البرامج التعليمة والتدريبية والتنموية التي تهدف، من جهة، إلى تنمية وتطوير مهارات وقدرات الموارد البشرية، وتمكينها من الأداء بكفاءة عالية، وتمكنها من جهة ثانية، من تقليل الفائض من الموارد، فضلا عن استغلال كل الطاقات وفي كل الأوقات بحيث يتم الاستغلال الأفضل للوقت. وكذلك تسعى إدارة الموارد البشرية إلى وضع نظام للتعويضات والتحفيز المالي يعتمد على الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، وتقليل تكلفة الإنتاج إلى أقل المعدلات الممكنة.

• إذا كانت استراتيجية المنظمة التنبؤ ووضع الاحتمالات: تهدف هذه الاستراتيجية إلى تكييف إمكانيات المنظمة وظروفها الداخلية مع المحتمل أو المتوقع وقوعه في البيئة المحيطة، فإذا توقعت المنظمة زيادة كبيرة في الطلب على منتجاتها وخدماتها، فهي تأخذ عندئذ باستراتيجية التوسع. وإذا توقعت أن منافسيها قد زادوا من جودة منتجاتهم وخدماتهم، فتأخذ المنظمة باستراتيجية التميز في الجودة. فالمنظمة في هذه الحالة تتبنى استراتيجية تهدف إلى توفير أعلى درجات المرونة في كيفية التأمين والحصول على مواردها، لكي تتمكن من مواكبة ما يحدث من تغيرات تتوقعها في البيئة المحيطة بها، والتكيف معها في أقل وقت ممكن، ولكي تنجح المنظمة في تحقيق هذا التكيف عليها أن تتفاعل وتراقب التغيرات التي تحدث في البيئة بشكل مستمر.

وفي ظل هذه الاستراتيجية العامة للمنظمة تبني إدارة الموارد البشرية استراتيجيتها على أساس استقطاب الأفضل والأنسب وذا الكفاءة العالية والمتميزة من الموارد البشرية، وتولي العناية الفائقة بهذه الموارد من حيث التدريب والحوافز المالية والحماية الصحية، فهي تتعامل مع نوعية مميزة من العناصر البشرية، مطلوب منهم تحقيق أعلى المعدلات الإنتاجية من حيث الكم والكيف.(عقيلي 2005)

الاستراتيجيات البديلة:

في المبدأ العام، ان استراتيجية إدارة الموارد البشرية هي مكمّلة لاستراتيجية المنظمة، وبالتالي يجب ألا يحصل اي تضارب بين الاستراتيجيتين، حيث ان كلتيهما تسعيان لتحقيق الاهداف المحددة. من هنا يعتبر التكامل بين الاستراتيجيتين هو المنطق الاساسي الذي تعتمد عليه إدارة الموارد البشرية.

ولكن، في حال حصول اختلاف بين الاستراتيجيتين، فهناك عدة استراتيجيات بديلة يمكن اللجؤ إليها لتحقيق التوازن.

من أهم الاستراتيجيات البديلة:

أولا: الاستراتيجية الهجومية: وهي تساهم في مواجهة المعوقات والقيود من اجل مقاومتها والتخلص منها، وتلجأ إدارة الموارد البشرية الى هذه الاستراتيجية في مرحلة إنطلاق المنظمة، وأحيانا في مرحلة نموها، فتعتمد سياسات استقطاب واختيار وتعيين المهارات والكفاءات وفق اجراءات توظيف خالية من القيود والتعقيد البيروقراطي، ووضع رزمة من برامج التحفيز والمكافآت.

ثانيا: الاستراتيجية الدفاعية: وهي استراتيجية تطبق في مرحلة نمو المنظمة، حيث تعمد إدارة الموارد البشرية الى تطبيق نظم جديدة وسخية للحوافز لإغراء العناصر البشرية المتميزة بالبقاء داخل المنظمة وحثهم على مقاومة مغريات الانتقال الى منظمات منافسة، بهدف تدعيم موقع المنظمة التنافسي.

ثالثا: الاستراتيجية الوسطية: وهي تعتمد في التفاوض خصوصا مع نقابات العمال على شروط وعلاقات العمل، فيطلب كل من الموارد البشرية والادارة مميزات وضمانات ويكون الحل في التنازل عن بعض الشروط مقابل الحصول على بعض المنافع.

رابعا: الاستراتيجية الانهزامية: حيث تستسلم الادارة للقيود الناجمة عن نقاط الضعف الذاتية والمتغيرات السلبية على نشاط المنظمة، الامر الذي يؤدي بها الى التوقف عن العمل وصولا الى تسريح العمال.

والوقع ان إدارة الموارد البشرية تختار من الاستراتيجيات البديلة ما هم موازٍ لقوتها النسبية وسيطرتها على الموقف، فكلما ازدادت قوتها النسبية كلما لجأت إدارة الموارد البشرية الى اتباع الاستراتيجية البديلة الهجومية. وكلما ضعفت قوتها كلما لجأت الى الاستراتيجية الدفاعية.

تنفيذ الاستراتيجية:

إن التنفيذ الجيد للإستراتيجية هو في حد ذاته إنجاز إداري ومن أبرز شروطه:

• قيادة ماهرة وقادرة على تحويل برامج وخطط المؤسسة إلى أعمال وإنجازات.

• مدراء ناجحون يشارك كل منهم في إنجاز وتنفيذ أجزاء الاستراتيجية العائدة لوحدته أو قسمه أو إدارته.

• مناخ جيد للعمل وثقافة قوية لدعم الإستراتجية.

• متابعة وتقييم دائمين لأداء الاستراتيجية للتأكد من ان التقدم حاصل على مستوى تنفيذ الاهداف. إذ يعتبر التقييم من الامور الضرورية والمستمرة، باعتبار ان بعض الشروط والظروف التي رافقت صياغة الاستراتيجية قد تتغير فجأة ومن دون سابق إنذار، مما يتوجب تعديلا او تطويرا في استراتيجية الإدارة بالشكل الذي يتواءم مع اهداف واستراتيجية المنظمة.

مراقبة التغيير الكمي والنوعي في بيئة الاعمال: (التطور التكنولوجي، ازدياد رقعة المنافسة المحلية والاجنبية، قوانين التبادل التجاري وغيرها).

• التشجيع على الابتكار والابداع لدى الموارد البشرية للحفاظ على التميّز.

في الخلاصة:

بناء على كل ما تقدم، فإنه يمكن القول ان استراتيجية إدارة الموارد البشرية هي غير منفصلة وغير مستقلة بحد ذاتها، بل هي في الحقيقة رافد لاستراتيجية المنظمة ومساندة لها ولاستراتيجيتها التنافسية.

فدراسة استراتيجية الموارد البشرية تبدأ بالاطلاع على رسالة المنظمة وغاياتها وأهدافها ، وتحليل البيئة الداخلية والخارجية للمنظمة، مرورا بوضع يدها على نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر، انتهاء باستقراء الواقع القائم والمستقبل اللاحق واستنباط الخطط للتعامل مع كل المتغيرات والتحديات التي تؤثر على وجود المنظمة وقيمتها.

ولكن تجدر الاشارة دوما الى ان وجود استراتيجيات للموارد البشرية لا يعني ان المنظمة حققت غاياتها، فالأهم هو تفعيل هذه الاستراتيجيات بوجود الآليات الادارية والبشرية والتقنية والمادية اللازمة، وإصرار إدارة الموارد البشرية على تسيير العمل وفق الاستراتيجيات المعتمدة.

في النهاية، قد يكون من المهم الاشارة الى أن حجر الأساس بالنسبة إلى إستراتيجية إدارة الموارد البشرية هو تنظيم العلاقة بين المدير المباشر والموظف. إذ تؤكد بعض الدراسات أن أهم الأسباب التي تدفع الموظفين، أحيانا، إلى الاستقالة هو المدير المباشر وليس الدخل أو الفرصة الأفضل. وان إدارة الموارد البشرية المعاصرة تعمل على تطوير طريقة تفكير المديرين في موظفيهم بحيث تتحول العلاقة وتتطور إلى ما يشبه الشراكة وليس التبعية لأن الشراكة تعني المزيد من المسؤولية، والمزيد من العاطفة تجاه العمل، وبالتالي المزيد من الإنتاجية. وهو ما يؤدي الى استراتيجية ناجحة في تسيير الموارد البشرية وتحقيق أهداف المنظمة وغاياتها.

 

أعدّت البحث:

مايا اسماعيل صفا / ماجستير في علوم الاعلام والإتصال.

إشراف: الدكتور أحمد اللقيس / مدير عام الشؤون الادارية في مجلس النواب اللبناني.

 

المراجع والمصادر:

الحامد ، غازي .2012. الادارة الاستراتيجية للموارد البشرية. السعودية.

www.kau.edu.sa

خير الدين، برباروس. إدارة الموارد البشرية 2011.

grh-management.blogspot.com

عقيلي، عمر وصفي. 2005. إدارة الموارد البشرية المعاصرة بعد استراتيجي. دار وائل للنشر. الاردن.

عيسى، محمود .2007. استراتيجية إدارة الموارد البشرية ودورها في إنجاز استراتيجية المنظمة.

كردي، أحمد. معيد في كلية التجارة في جامعة الازهر ومدرب تنمية بشرية وادارية في مصر.

www.kenanonline.com

موقع الاكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي.

www.abahe.co.uk